الأدب المترجم
كتاب الجريمة والعقاب
الجريمة والعقاب
الجريمة والعقاب - دوستويفسكي |
العنوان: الجريمة والعقاب
الكاتب: دوستويفسكي
المترجم: نهى بهمن
سنة النشر: الطبعة الأولى -2019-
الدار الناشرة: عصير الكتب للنشر والتوزيع
عدد الصفحات: 855 صفحة ( الجزء الأول والثاني )
التقييم: 9/10
الكتاب في سطور
في الجريمة والعقاب التي تعد أشهر أعمال الروائي الروسي ديستويفسكي معالجة لواحدة من أهم القضايا قاطبة وهي تأثير الجريمة على المجتمع، وعلاقة الجريمة بالتغيرات الأخلاقية الطارئة على المجتمع.
تقوم الرواية على أساس الصراع النفسي القائم لدى البطل بين ما يدفعه للقيام بالجريمة وما يبعده عنها، وينتقل هذا الصراع إلى صراع ما بين أخلاقيات المجتمع المحيط وبين رغبة البطل في إثبات نفسه.
في الرواية تجد الأسلوب الأعظم لديستويفسكي على الإطلاق، فالجريمة والعقاب هي بنت أفكاره الكبرى، والتي خلدها ديستويفسكي على الورق وعاشت بعده لأجيال كثيرة، وهي وليدة معاناة حقيقية عاناها الكاتب نفسه طيلة مدة طويلة للغاية في روسيا.
تعد الرواية ثاني أطول روايات دوستويفسكي بعد عودته من منفاه في سيبيريا وأفضل رواياته خلال فترة نضجه الأدبي. كما تصنف واحدة من أعظم الأعمال الأدبية في التاريخ. فقد ناقش فيها العديد من قضايا العصر الحديثة الملحة، كالاغتراب والتفكك الاجتماعي والنفسي الناتج عن التحولات الثقافية والاقتصادية السريعة التي شهدها المجتمع الروسي بعيد الغزو النابليوني لها.
مراجعتي للكتاب
تبدأ الرواية بعرض الحالة النفسية التي كان عليها راسكولينكوف - بطل الرواية - وتجدر الإشارة إلى أن اسم راسكولينكوف يعني بالروسية المنفصم. وهذا بالضبط ما أراد دوستويفسكي إيصاله عبر هذه الشخصية، التي كانت ضحية التمدن والتحدث. فراسكولينكوف طالب جامعي يدرس في كلية الحقوق في العاصمة الروسية، بينما يعيش أهله في إحدى القرى الروسية حيث تعمل والدته وشقيقته بهدف ضمان احتياجاته، ولكن وبسبب الظروف الاقتصادية، يتوقف الأهل عن إرسال المصاريف إلى ابنهم، ما سيؤدي إلى توقفه عن الدراسة الجامعية.
عانى راسكولينكوف "منذ بعض الوقت حالة من التوتر والعصبية توشك أن تكون مرض الكآبة. لقد بلغت حياته من الاعتزال ومن فرط الانطواء على النفس أنه بات يخشى لقاء أي إنسان.. كان يعيش في فقر مدقع، وبؤس شديد، ولكن العوز نفسه أصبح في الآونة الأخيرة لا يثقل عليه".
كانت الدموع تنهمر منه منذ الوهلة الأولى لقراءته هذا الخطاب، وبعدما انتهى منه، أصبح لونه شاحبا، وكان يشعر بمرارة وغصة في حلقه، وارتسمت ابتسامة غضب وحقد على وجهه، ثم وضع رأسه على الوسادة المتسخة وقلبه يرجف وينبض بعنف، ظل يحدق في الغرفة التي تشبه الخزانة متنمرا وحانقا، لقد كان في حالة اضطراب كامل، لم يستطع الصمود بحالته تلك في الغرفة فقام بالخروج دون أن يخشى رؤية أي شخص، ظل يمشي دون هدف، دون أية وجهة، محدثا نفسه بصوت عال، مما أدهش المارة ولفت انتباههم حتى أن الكثير منهم ظنوا أنه ثمل.
{ الجريمة والعقاب الجزء الأول، 58 }
يكمل دوستويفسكي لعدة صفحات أخرى، سرد الحالة النفسية والذهنية لبطل الرواية راسكولينكوف، حالة الاهتياج والهذيان والشرود الذهني، التي تتفاقم بفعل الأوضاع التي كانت عليها مدينة بطرسبرج وشعوره بالاغتراب عنها، يصور دوستويفسكي بطرسبرج بأنها كانت مدينة مزدحمة وقذرة، يتمدد السكارى في شوارعها في وضح النهار، بينما تنتشر البغايا في شوارعها وبين أزقتها أملاً في الحصول المال.
الحر الشديد في الشارع، الخواء، الطوب، السقالات الخشبية والغبار جميعها أثارت بداخله الشعور بالإجهاد، وتلك الرائحة المألوفة لبيوتربرج التي كانت تملأ نفوس الشباب جميعا الذين طالما تمنوا الخروج منها، والرائحة الكريهة التي لا تطاق للحانات الصغيرة بهذا الجزء من المدينة، والرجال الثملون المترنحون الذين كان يلتقيهم باستمرار، على الرغم من أنه كان يوم عمل، كل هذا جعل البؤس المتوطن في نفسه يزداد، ولوهلة علا وجهه علامات الاشمئزاز والتي بدت واضحة على ملامحه رغم وسامة الشاب واعتدال قامته وقوة بنيته الجسدية، ذو العيون الكحيلة البراقة والشعر البني الداكن، الذي سرعان ما غرق في تفكير عميق، لقد سار غير مبال بما حوله، وكان كعادته مع نفسه يتمتم من وقت لآخر، لقد كان مدركا في هذه اللحظات أن أفكاره تشابكت وأن قواه قد وهنت، فلقد مر عليه يومان بالكاد تذوق فيهما الطعام.
{ الجريمة والعقاب الجزء الأول، 10-11 }
ونتيجة لهذا التشظي الذي آل إليه الشاب الجامعي، وعدم شعوره بالانتماء إلى الوسط الذي يعيش فيه، تتولد لديه الكثير من الأسئلة والهواجس والأفكار التي تتسم بالطابع الانشقاقي والعدائي للمجتمع، إلا أن فكرة باتت تستولي عليه مؤخراً بصورة ملحة، وتكاد تمنعه حتى عن الأكل والشرب والنوم، إنها فكرة قتل عجوز مرابية تقوم بإقراض الناس مبالغ نقدية بفوائد مقابل رهون يقدمونها لها!
قال يحدث نفسه كالمسعور وبحرارة:«ليست العجوز من لها القيمة، العجوز ليست إلا خطآً، ولكن القضية ليست قضية العجوز، فالعجوز ليست إلا مرضا، وقد أردت أن أقفز فوق الحاجز وأن أتخطاه بسرعة، أنا لم أقتل إنسانا بل قتلت مبدأ، ولكن لئن قتلت المبدأ، فإنني لم أستطع أن أتخطاه، بل بقيت في الجهة التي كنت فيها، كل ما استطعت أن أفعله أنني قتلت، حتى أنني لم أعرف كيف أقتل المبادئ؟
{ الجريمة والعقاب الجزء الأول، 435-436 }
لعل ما يجعل الحبكة أكثر غرابة عدى كونها جريمة هو عدم وجود دافع مادي أو عداء شخصي بين راسكولينيكوف والعجوز، وذلك يضعنا أمام السؤال الحقيقي الذي أجاب عنه دوستويفسكي في كتابه باستفاضة ووصف عميق. ما الأسباب التي دعت راسكولينكوف لقتل العجوز؟!!
في واقع الحال، فإن الدوافع كانت عبارة عن خليط من العوامل السيكولوجية المركبة، إلا أنها كانت تدور حول الرغبة في إثبات الذات واستعادة الكرامة المفقودة من خلال إراقة الدم، لقد كان راسكولينكوف يشعر أنه منبوذ ومقصي وغير معترف به بصورة كافية من قِبَل المجتمع الذي لم يعد يرى سوى الرجال العظماء، إنه ليس أكثر من مجرد قملة بالنسبة للمجتمع الذي لا يجد فيه موطئ قدم له، ولذا فإنه كان بحاجة إلى إثبات ذاته أمام نفسه وانتزاع الاعتراف من المجتمع، ولم يكن ثمة سبيل آخر سوى عبر فعل القتل!
أن على الأرض أناسًا يستطيعون... لا يستطيعون فحسب.... بل لهم الحق المطلق في أن يرتكبوا جميع الجرائم والأفعال الشائنة، وأنه القانون لم يوضع من أجلهم أو للتطبيق عليهم.
{ الجريمة والعقاب الجزء الأول، 408 }
ومع تلك الضغوطات والأحداث التي تراكمت وأثقلت كاهله وجعلت الدنيا ضيقة عليه كغرفته، استعرت نار الكراهية والحقد في قلبه وتعمق شعوره بالاغتراب عن المجتمع، ما يدفعه نحو استعادة مشروعه الذي كان قد تخلى عنه لتوه؛ حيث سيقدم على قتل تلك العجوز المرابية!!
لو أنه في تلك اللحظة فقط كان قادرا على استخدام عقله! لو أنه كان قادرا على رؤية الموقف بشكل صائب!! لو أنه أدرك صعوبات ذلك الموقف مبكرا!! إدراك بشاعة واستحالة وسخافة ما قام به!! لو أنه كان متفهما أكثر وواعيا لكم العقبات التي ستواجهه، وربما الجرائم التي سوف يرتكبها أو التي قد ارتكبها بالفعل! لو أنه فعل وأدرك لم كان لا يزال واقفا ملطخ اليدين والروح في ذلك المنزل المشؤوم! لو أنه أدرك لكان الآن في طريقه إلى منزله غير مبالٍ بما كان سيجنيه!! لما كان في ذلك الوضع الآن، وما كانت تلك الأرواح أزهقت!! لكان نفض يديه من ذلك الذنب، في الواقع من كل شيء!! لكان تخلى عن ذلك ليس من أجل الخوف بل من شعوره بالرهبة والاشمئزاز مما فعله!
{ الجريمة والعقاب الجزء الأول، 115-116 }
ما إن يرتكب راسكولينكوف جريمة القتل تلك، حتى يدخل في نوبات من الذعر والهذيان والاضطراب التي تتملك نفسية القاتل.
ظل راسكولينكوف مستلقيا لفترة طويلة، يستيقظ بين الحين والآخر في آناء الليل! هكذا قضى ليلته لا منه غط في النوم ولا منه استيقظ إلى أن بدأ الضوء يلون عتمة السماء! كان مستلقيا على ظهره في حالة ذهول كيف لم حدث أن يعزب عن ذهنه! لقد أيقظه الخوف، الصيحات اليائسة القادمة من الشارع والأصوات التي اعتاد على سماعها كل ليلة، خاصةً أسفل نافذته بعد الساعة الثانية صباحا.
{ الجريمة والعقاب الجزء الأول، 127 }
حينها يتيقن أنه ليس بالإنسان الأعلى الذي ظن أنه يمثله، فيتشظى أكثر في دوامة من الاحتقار والكراهية لذاته تارة؛ وبين مشاعر الندم والرغبة في الاعتراف والتخفف من وطأة الجريمة وثقلها تارة أخرى.
يصل راسكولينكوف إلى حالة من الهذيان تقارب الهلوسات، وهنا يصور لنا دوستويفسكي عالم راسكولينكوف الداخلي باقتدار بالغ، حيث يبلغ به الأمر أنه "كان كلما رأى أحداً إلا وظن بأنه يعرف حقيقته وجرمه".
ولكن ألا يمكن أن يكون كله مجرد هواجس وأحاسيس مزيفة أوحت لي بها ظروف هذه المقابلة؟ ألا يمكن أن أكون مخطأً في الحكم على الأمر برمته؟ ألا يجوز أن يكون كل هذا ناشئ عن نقص خبرتي وقلة تجربتي وعن عجزي عن تمثيل دور الساقط؟ لعلهم يقولون كل ما يقولونه دون عمد مسبق أو نية مبيتة أو سيئة! لا، إن كل ما يقولونه عادي ولكن المرء يحس أن وراء كل كلمة من كلماتهم... صحيح من الممكن أن يتكلم جميع الناس بهذا الأسلوب وتلك الطريقة.
{ الجريمة والعقاب الجزء الأول، 401-402}
يتعرف راسكولينكوف إلى صوفيا حيث يشعر تجاهها بعاطفة قوية، يشعر بأنها روح تشابه روحه، فيتقرب منها ويسعى عبرها إلى الخلاص وإلى أن يلقي إثمه الثقيل عليها، قبل أن يخرج إلى الميدان ويسلم على الشعب ويقبل الأرض لأنه آثم في حقها، ويقول بصوت عال يسمعه الجميع: إنني قاتل! ويسلم نفسه بعد ذلك!!
رفض راسكولينكوف الماء بيده، وبهدوء وانكسار، ولكن بوضوح قال: لقد قتلت المرابية العجوز وأختها ليزافيتا بفأس وسرقتهم.فتح إيليا بتروفيتش فمه، ركض الناس من جميع الجوانب، وكرر راسكولينكوف كلامه مرة أخرى.
{ الجريمة والعقاب الجزء الثاني، 413 }
المؤلف في سطور
المهنة: مترجم، وشاعر، وروائي
الجنسية: الإمبراطورية الروسية
الميلاد: 11 نوفمبر 1821
الوفاة: 9 فبراير 1881 (59 سنة)
سبب الوفاة: صرع، ونفاخ رئوي
من مؤلفاته: 1- المساكين
2- الشبيه
3- ربة البيت
4- نيتوتشكا نزفانوفا
5- حلم العم
6- السيد بروخارشين
7- قصة في تسع رسائل
9- زوجة رجل آخر وزوج تحت السرير
لاقتناء الكتاب زر
https://www.aseeralkotb.com/- دار عصير الكتب للنشر والتوزيع
والحمد لله.
***********************
***********************
إرسال تعليق
0 تعليقات