كتاب 1984

      

1984

1984 - جورج أوريل
1984 - جورج أوريل

العنوان: 1984
الكاتب: إريك آرثر بلير ( جورج أوريل )
سنة النشر: الطبعة الأولى -2019-
الدار الناشرة: عصير الكتب للنشر والتوزيع
عدد الصفحات: 384 صفحة
التقييم: 9/10

الكتاب في سطور

تجري أحداث الرواية في عالمٍ متخيَّل ينقسم فيه العالم إلى ثلاثة دول ديكتاتورية عظمى وهي أوشيانا،أوراسيا،إيستاسيا وثلاثة مناطق صراع دائم وهي: الهند وإفريقيا والشرق الأوسط. يتحكَّم في الدولة العظمى حزب الاشتراكية الإنجليزية وأبرز شخصياته هو المدعو (الأخ الأكبر) وهو شخصية غامضة لكنّها مسيطرة على جميع أجزاء الدولة خاصّةً الحزب الذي يأتمر بأمره وينشر الشعارات المخيفة بين النّاس مثل:(الأخ الأكبر يراقبك، الحرب هي السلام، الجهل هو القوة، من يملك الماضي يسيطر على المستقبل).

وقد كانت الوزارات التابعة لهذا الحزب عبارة عن أربع وزارات؛ وزارة الحقيقة لتزوير التاريخ وتحريف مقالات الصحف الأجنبية الحديثة وتزييف الأخبار، وزارة الحب التي تقوم بتعذيب النّاس وتعيينهم كجواسيس على بعضهم البعض وتمنع إقامة العلاقات الجنسية بالمطلق، وزارة السلام التي كانت تختصُّ بشنِّ الحروب والوزارة الرابعة هي وزارة الوفرة التي كانت تُعنى بتقنين كميات الطعام وتحديدها وتجويع النّاس.

مراجعتي للكتاب

" 1984 " رواية من تأليف إريك آرثر بلير ( جورج أوريل )، تعد أحد أهم وأشهر روايات الأدب، نشرت لأول مرة في عام 1949 وقد لاقت نجاحًا كبيرًا وإقبالًا مهولًا ما زال مستمرًا إلى يومنا هذا. فقد أصبحت دليلًا للتعامل مع الأنظمة الشمولية والاستبدادية على حد سواء، وكتابًا تاريخيًا يحوي بين طياته رموز الاستبدادية والاشتراكية الذين هزموا أمام اتحاد شعبهم وسعيه نحو الخلاص والحرية. فالكاتب لا يكتفي بسرد حكايته " المستقبلية "، بل ويذكر أخطاء وعثرات الماضي التي يجب تلافيها والبعد عنها، والتي أدت إلى انهيار امبراطوريات وحكومات اشتراكية.

وبمقارنة أنظمة الطغيان في الماضي مع ما يوجد اليوم، فإن أنظمة الطغيان في الماضي كانت أقل كفاءة في استبدادها، وتفتقر إلى التصميم على الفتك بالخصوم. كما كانت الطبقة الحاكمة متأثرة ببعض الأفكار الليبرالية وتترك عن رضا هوامش من الحرية في كل مكان، ولا تعير اهتمامًا سوى بالعمل الظاهر دون مبالاة بما يدور في خواطر مواطنيها.
بل حتى الكنيسة الكاثوليكية في العصور الوسطى، تعتبر متسامحة إذا قورنت بمعايير هذه الأيام والسبب في ذلك أنه لم تكن تتوفر لأية حكومة في الماضي سلطة تمكنها من مراقبة مواطنيها طوال الوقت، كما أنه أصبح من الأسهل التلاعب بالرأي العام بعد اختراع الطباعة. كما أن ظهور السينما والراديو سرعا من تقدم هذه العملية ومع اختراع التليفزيون وحدوث التقدم التكنولوجي الذي جعل من السهل إرسال واستقبال الإشارة في آن واحد على نفس الجهاز، وكان ذلك إيذانًا لنهاية ما يسمى بالحياة الخاصة.
{ 1984، 266 }

استهل الكاتب حديثه بوصف الحالة المعيشية والاجتماعية لأعضاء الحزب الخارجي والعامة - وهما إحدى فئات المجتمع في أوشيانا إضافةً إلى الحزب الداخلي والأخ الأكبر - من رائحة الملفوف التي تعبق بها المبان السكنية والسجاد المهترئ إلى شرطة الفكر ووزارة الحب. ليحفر في أذهاننا أن الحزب قد استبد استبدادًا عظيمًا، وعاث في الأرض الفساد، وقاد العالم إلى الهلاك والخراب المحتوم. فبدلًا من أن يحقق العدل والحرية والمساواة، خلق فجوةً عظيمةً بين طبقات الحزب وشدد الخناق على كل ما يقال ويفعل. وقد ظهرت هذه التقسيمات بعد قيام حرب كبيرة عنونت بثورة ضد " القبعات والرأسمالية " التي جعلت عامة الشعب عبيدًا لدى سادة المال. قضت تلك الحرب على الأخضر واليابس وأطاحت بكل ما هو قائم وحاضر في أذهان الناس، قلبت موازين القوى، وأعادت رسم الخرائط وأنجبت " أوشيانا " و " إستاسيا " و " أوراسيا "، ثلاث قوى عظمى لا حدود رسمية بينهم فهي بين الجغرافيا تارةً وبين نتائج الحروب الأبدية تارةً أخرى ترسم وتعد.

إن انقسام العالم إلى ثلاث قوى عظمى كان شيئًا يمكن التكهن به منذ منتصف عشرينيات القرن الحالي، فمع ابتلاع روسيا لأوروبا، وكذلك ابتلاع الولايات المتحدة للإمبراطورية البريطانية، ظهرت قوتان للوجود هما أوراسيا وأوشيانا، أما إستاسيا أو القوة الثالثة فلم تظهر كوحدة مستقلة واضحة المعالم، إلا بعد عقد من الزمن تم خلاله حرب قتالية فوضوية. 
.
.
وتتكون أوراسيا من مساحات شاسعة من الأراضي التي تقع شمال أوروبا وآسيا، وتمتد من البرتغال حتى مضيق بيرنج، أما أوشيانا فتضم الأمريكيتين، جزر المحيط الأطلنطي بما فيها الجزر البريطانية، أستراليا والجزء الجنوبي من إفريقيا، وتعتبر إستاسيا الأصغر من حيث المساحة وهي ذات حدود غريبة غير محددة تمامًا وهي تتكون من الصين وبعض البلدان التي تقع في جنوبها ومن الجزر اليابانية وجزء كبير من منغوليا، منشوريا وهضبة التبت وبالطبع مساحتها تتغير تبعًا لسير العمليات الحربية.
{ 1984، 240 - 241 }

أنشأت كل قوة منها نظامًا اعتقاديًا سياسيًا واجتماعيًا، يحدد للشعب ما هو مقبول وما هو مرفوض. ففي أوشيانا وطن بطل الرواية، ابتدعت الـ " انجسوك " أو الاشتراكية الانجليزية، وفي أوراسيا " البلشفية الجديدة " وفي إستاسيا تسمى بمسمى صيني يترجم عادة " عبادة الموت ". لا تختلف تلك المعتقدات إلا في أسمائها وأسلوب تطبيقها، لكنها في جوهرها متشابهة، بل تكاد تكون واحدة.

وهناك حقيقة لم يجهر بها أحد، ولكنها مفهومة ضمنيًا، ويتم العمل بها ألا وهي تشابه الظروف الحياتية في الدول الثلاث.
.
.
في الواقع تختلف هذه الفلسفات نظريًا فقط، أما الأسس الاجتماعية والبناء الاجتماعي القائم عليها فهي متشابهة ولا يمكن التفرقة بينهم.
{ 1984، 255 }

وتنص تلك العقائد على التفرقة الطبقية بين أفراد الشعب - والتي جاءت مخالفة لصريح شعارات الحرب أو " الثورة " كما هو معلن -. فهناك أعضاء الحزب الداخلي أو الطبقة العليا، ذوو المال والجاه والسلطة ومسيرو الأحداث والأفكار، الذين يؤمن ولاؤهم التام للحزب وعزوفهم عن التآمر ضده وإيمانهم الخالص بعقيدة الأخ الأكبر والحزب الواحد. تليها طبقة الحزب الخارجي أو الطبقة الكادحة والمتوسطة؛ والتي تتألف من العاملين ذوي المراتب المنخفضة والأجور الرمزية، الذين يعملون صباحًا ومساءً، إضافة إلى أولئك الذين شهدوا بعضًا من الأحداث التي سبقت الحرب - الثورة -. يراقبهم " الأخ الأكبر " عبر صوره التي لا يخلو منها حائط أو جدار، وتنقل شاشات الرصد كل ما يصدر عنهم من قول أو فعل أو حتى فكرة قد تمس تشريعات الحزب ومعتقداته.


وفي نهاية ذلك الممر علقت لوحة ملونة كبيرة لا يتناسب حجمها مع مساحة الممر الضيقة، وكانت الصورة تمثل وجهًا ضخمًا لرجل في الخامسة والأربعين من العمر، تبدو ملامح وجهه وسيمة بالرغم من خشونتها ومظهرها الصارم، ويبرز شاربان كثيفان لهما لون أسود.
.
.
وكانت توجد في كل انعطافات السلم وعند كل محطة من محطات المصعد صورة للوجه الضخم تحدق في كل قادم أو زائر. وكانت الصورة من النوع الذي يوحي للمرء أن العينين تتابعانه عند تحركه وكتب تحتها عبارةٌ واضحة ٌ تقول: " الأخ الأكبر يراقبك ".
{ 1984، 13 - 14 }

أما الفئة الثالثة فهي كما أسماها الكاتب " طبقة العامة "، تلك الطبقة التي كانت ومازالت وستظل حاضرة في أي حزب أو تقسيم سياسي مهما تعددت واختلفت أيدولوجياته ومعتقداته، فهي الطبقة التي لا يرجى منها دعم في البناء أو التطوير، وهي أيضًا الطبقة ذاتها التي لا يلقى لها بال في أي خطة تنموية أو اقتصادية تمس أساس المجتمع؛ فهم كما وصفهم الكاتب، أناس لا تشغلهم السياسة أو الحرية، تفشى بينهم الجهل والفقر وحب الشهوات كالنار في الهشيم. فأصبحت مشاكلهم لا تعدو أن تكون حول نقص الماء والغذاء أو اعتراضًا حادًا على تقسيم المؤن والأواني، ولا تحل مشاكلهم إلا بالصراخ والعراك. أقصى أمانيهم هي الحصول على الخمر الفاخر والذي يعد حكرًا على أعضاء الحزب الداخلي، أو النساء وبعض من أساسيات الحياة المعدومة!!

يستطيع المرء استنباط - إن لم يكن يعرف بالفعل - التركيبة العامة لمجتمع أوشيانا، فعلى قمة الهرم يتربع الأخ الأكبر، وهو معصوم من الخطأ، وله قدرات خارقة.
.
.
وبعد الأخ الأكبر يأتي أعضاء الحزب الداخلي، ونسبته لا تزيد عن 2% من سكان أوشيانا أي حوالي ستة ملايين شخص، ثم بعد ذلك الحزب الخارجي، فإذا وصفنا الحزب الداخلي بأنه العقل المدبر للدولة، فنستطيع وصف الحزب الخارجي بالقوة العاملة فيها. وفي أسفل الهرم تأتي الجماهير " البروليتاريا " والتي تمثل مجموع 85% من سكان أوشيانا، وحسب التصنيفات السابقة، فإن العامة أو طبقة البروليتاريا هم الطبقة الدنيا، حيث لا يتم اعتبار سكان المناطق الاستوائية المستعبدين جزءًا أساسيًا أو ضروريًا في تركيب المجتمع.
.
.
أما عن العامة فلا خوف منهم، فهم إن تركوا لشؤونهم، فسيستمرون جيلًا بعد جيل وقرنًا يلي قرنًا يعملون ويتناسلون ويموتون دون أن يكون لديهم أدنى دافع للتمرد، وأيضًا دون أن تكون لديهم القدرة على إدراك أن العالم من الممكن أن يتغير عما هو عليه.
{ 1984، 269 - 270 - 272 }

لم تكن تلك التركيبة الطبقية وليدة اللحظة أو نتاج الحزب إنما واقعًا مفروضًا على كل حركة سياسة إصلاحية أو حزب حاكم. تنوعت أسباب ظهورها وأشكالها ومسمياتها - كما ذكر الكاتب باستفاضة -، لكنها تبقى واحدةً. " السلطة الحاكمة " تليها " الطبقة الغنية والمتحكمة " فـ " طبقة العمال والكادحين " وأخيرًا " المعدومون ثقافيًا وعلميًا واقتصاديًا أو الطبقة الدنيا ".

عبر التاريخ المعروف للإنسان، وربما منذ نهاية العصر الحجري، كانت هناك ثلاث فئات من البشر، هم الطبقة العليا والطبقة الوسطى والطبقة الدنيا، وقد تم تقسيم هذه الفئات للعديد من الفئات الفرعية الأخرى وكان لها العديد من الأسماء التي لا حصر لها. أما نسبة كل فئة وكذلك آراؤها نحو الفئات الأخرى فقد اختلفت عبر العصور، إلا أن تركيبة المجتمع الأساسية لم تتغير قط، بل وبالرغم من قيام الثورات العارمة، وما أدت إليه من تغيرات بدت لا عودة عنها، إلا أن هذا التقسيم لفئات المجتمع كان يعود ليفرض نفسه من جديد تمامًا كدفة السفينة التي تعود إلى مكانها سواءً أدرتها في هذا الاتجاه أو ذاك.
{ 1984، 260 }

وللحفاظ على هذا التقسيم الطبقي قامت " أوشيانا " بتنصيب عدد من الوزارات المسؤولة بدور كبير عن كل ما يدور في المجتمع من أحداث وأحاديث وكل ما يختلج في صدور الأعضاء والشعب، إضافةً إلى عدد من المنظمات التطوعية والمجتمعية التي يبث عبرها الحزب سمومه الاشتراكية والاستبدادية. ولا يخلو الأمر من عدد من القوات المسلحة التي تفرض النظام والطاعة على الجميع..

" وزارة الحب " التي تشرف على التعذيب وغسل الأدمغة.
" وزارة الوفرة " التي تشرف على نقص الموارد وترشيد الاستهلاك.
" وزارة السلام " التي تشرف على الحرب وويلاتها.
" وزارة الحقيقة " التي تشرف على الدعاية ومراجعة التاريخ.
" اتحاد الجواسيس " الذي يعنى بتدريب وإعداد جيل يقدس الحزب وشعاراته.
" شرطة الفكر " التي تعنى بالمراقبة والقبض على الخائنين أو كل من يقدم على جريمة فكر.

قد تتساءل عن السبب خلف هذا التناقض العجيب بين أسماء الوزارات ومهامها. تلك هي " ازدواجية التفكير " والتي تعد منظومة فعالة لخداع العقل، وللقضاء على الدائرة القديمة وللحفاظ أيضًا على السلطة بشكل أبدي. والتي تظهر بوضوح عبر شعارات الحزب:
الحرب هي السلام.
الحرية هي العبودية.
الجهل هو القوة.
 وقد أثمرت كل تلك التناقضات في خلق مجتمع ملتزم ومؤمن بتقاليد وأحكام الحزب، بل وتمكن الحزب من امتلاك سلطة مطلقة على المكان والزمان. حتى أصبح الماضي أداة بيد الحزب يعيد صياغتها كلما لزم الأمر، والحاضر امتدادًا لكذبة الماضي والمستقبل نتيجة لتلك الكذبة.

ولذلك يعتبر الجمع بين المتناقضات مثل المعرفة مع الجهل والسخرية مع التعصب من أهم مميزات المجتمع في أوشيانا. وتمتلئ الأيديولوجية الرسمية بالمتناقضات حتى عدم وجود سبب فعلي لذلك، وهكذا يرفض الحزب كل المبادئ التي وضعتها الاشتراكية في الأساس، بل إنه يقلل من شأنها، وعندما يقوم بذلك فهو يفعلها باسم الاشتراكية، وكذلك يدعو الحزب لاحتقار الطبقة العاملة احتقارًا لم يحدث مسبقًا في القرون الماضية وفي الوقت نفسه، يرتدي أعضاؤه يوميًا زيًا موحدًا، كان في يوم من الأيام زيًا يميز العمال اليدويين ولهذا السبب وقع اختيار الحزب عليه.
{ 1984، 279 }

يعمل ونستون - بطل الرواية وراوي الأحداث - في وزارة الحقيقة، حيث يشرف على إعادة صياغة التاريخ كلما استجد في الحاضر حدث يخالف خطابات وتوقعات الحزب ممثلًا بالأخ الأكبر أو كلما حدث واختلفت خارطة الأحزاب والحروب. فتلك الحروب لم تكن لحظيةً أو حروبًا يرجى انتهائها والانتصار فيها، بل كانت مسكنًا للشعب والحزب ومضادًا لأي ألم أو فقد. فتارةً تكون " إستاسيا " هي العدو و " أوراسيا " الحليف والصديق، وتارةً تقلب الألقاب فتصبح " إستاسيا " الصديق الوفي و " أوراسيا " عدوًا يجب القضاء عليه قبل أن يفتك بأوشيانا وهكذا. تقع مهمة اختيار الصديق والعدو على عاتق رجال الحزب الداخلي وقاداته، أما عملية صياغة التاريخ وتغيير الحقائق وغسل الأدمغة فتقع على عاتق وزارة الحقيقة التي لا تمل ولا تكل من العمل حتى تنتهي من تبديل وتغيير كل ما ينافي واقع الحزب من قريب أو بعيد.

أما السبب الأكثر أهمية لإعادة صياغة الماضي فيرجع للحاجة الماسة لحماية فكرة عدم وقوع الحزب في الخطأ، وذلك لا يتوقف عند تحديث وتعديل كافة الخطب والإحصائيات والسجلات بصورة مستمرة، لإثبات أن الحزب كان على صواب في كافة تنبؤاته، ولكن أيضًا لاعتبار أن أي تغيير في مبادئ الحزب أو الولاء السياسي هو أمر غير محتمل أو مقبول إطلاقًا، وذلك لأن تغيير الإنسان لرأيه أو اتجاهاته السياسية هو تأكيد لضعفه وإمكانية ارتكابه للخطأ. فإذا كانت أوراسيا أو إستاسيا هي عدو اليوم، فهذه الدولة يجب أن تظل دائمًا هي العدو، أما إذا كانت الحقيقة الواقعة تخبرنا غير ذلك، حينئذ علينا تغيير هذه الحقائق، وهكذا تستمر عملية كتابة التاريخ مرةً بعد مرة وبلا أي توقف.
{ 1984، 275 }

وبحكم عمل ونستون في وزارة الحقيقة، فقد وقعت بين يديه عدد من الوثائق والقصاصات التي تثير الشك في الحزب وتيقظ داخله ذكريات وجب عليه وأدها في المهد قبل أن تقوده إلى حتفه وإلى " الغرفة 101 "
بعد أن ازدادت شكوكه، وأصبحت ملامحه فاضحةً لجريمته، تمكن من الاتصال بأحد أعضاء ما يسمى " بالأخوية " وهو " أوبراين " - أحد الذين تمكنوا من التغلغل داخل الحزب الداخلي -. بعد ذلك انضم ونستون وزوجته - غير الرسمية - إلى منظمة الأخوية، وحاز على كتاب " جولداشتاين " - مؤسس الأخوية - الكتاب الذي يحاربه الحزب بكل قدراته وأفراده، الكتاب الذي يروي عبر فصول عديدة وبفلسفة وتحليل مثير ومنطقي أسباب قيام الحزب وماهيته، وعن بنائه الداخلي وعن " الأنجوس " أو " الاشتراكية الانجليزية "، إضافة إلى أنه يروي حكايات الدول الاشتراكية القديمة وكيف أنها انهارت لأنها لم تملك رغبة مطلقة في السيطرة والحكم وأن الحزب القائم تمكن من أن يتلافى أخطاء الماضي وأن يخرج بنظام اجتماعي سياسي واعتقادي لا يمكن الخروج عنه أو افناءه...

شعر ونستون بعد قراءة فصول الكتاب الأولى أن كل أفكاره التحررية والثورية وأن ايمانه بأن العامة هم مفتاح الخلاص لم تكن أضغاث أحلام أو جنونًا تملك عقله، فهناك العشرات ولربما الآلاف ممن يؤمنون بها ويسعون لها. وها هو في غرفة سرية - كما يعتقد - بعيدًا عن شاشات الرصد وشرطة الفكر يبحر عميقًا في كتاب " جولداشتاين " بل ويظهر ما أخفاه من كره ورفض للأخ الأكبر والحزب، وها هي زوجته ترقد بجانبه على السرير. مخالفًا بذلك عشرات القوانين التي قد تودي بحياته أو ما هو أسوأ من ذلك أنه قد يقع بين يدي " وزارة الحب "!!

كان كلاهما - ونستون وجوليا - يدركان جيدًا استحالة دوام حياتهما بهذه الطريقة، كانت هناك أوقات يشعران كما لو كان الموت يحدق بهما تمامًا، وأنه حقيقة يرونها بعينيهم كالسرير الذي يرقدان عليه.
{ 1984، 199 }

لم تكن حياتهما واختياراتهما بعيدة عن أعين الحزب وشاشات الرصد المرشوقة في كل مكان - كما يظنان -، فقد انتقل بنا الكاتب - جورج أوريل - من مشهد رقودهما على السرير والطمأنينة تعلو محياهم، إلى مشهد ركوعهما أمام النافذة وأسلحة شرطة الفكر مسددة نحو رأسيهما، وشاشات الرصد التي ملأت المكان تصرخ بعبارة " إنكما لميتان ".
قبض عليهما، وزج بهما داخل أسوار وزارة الحب قبل أن يقدما على الثورة أو حتى أن يستعدا لها، ليلقيا نهاية الطريق الوعرة التي أقدما على السير فيها.

غسلت أدمغتهما، وأقسما بالولاء التام للحزب والأخ الأكبر، وآمنا اعتقادًا وفكرًا وفعلًا بأن الحزب قادر على كل شيء. وأنه لا سبيل للقضاء عليه أو الخلاص من مراقبته الدائمة...
كفت عقولهم عن التفكير وقلويهم عن الشعور وقسمات وجوههم عن التبدل والتغير. هتفا لانتصارات الحزب الكاذبة، ورددا خطابات الأخ الأكبر، وشعرا بالكره نحو العدو المختلق. فتلك هي نهاية الطريق الذي سارا فيه.

إننا لا نأتي بأحد هنا لننزع منه اعترافًا أو لنعاقبه. هل ترغب في معرفة سبب مجيئك إلى هنا ونستون؟ لمعالجة مرضك! لتصبح سليم العقل! هل فهمت الآن؟ فلا أحد يأتي هنا ويخرج قبل أن يبرأ من علته؟ إننا لا نهتم بالجرائم التافهة التي ارتكبتها، فالحزب لا يهتم بالأفعال المعلنة، ما يهمه حقًا هو ما يدور في رأسك من أفكار. نحن لا نحطم أعداءنا فقط، بل نغير ما يعتمل في أنفسهم. هل تفهم ما أعنيه ونستون؟
{ 1984، 326 }

الأخ الأكبر يراقبك


رواية مميزة وممتعة للغاية، مليئة بالأحداث المفاجأة والفاجعة، من أولى لحظاتها إلى لحظة القبض على ونستون وتعذيبه كي يتخلص من كل فكر معاد وسام للحزب. أثبت جورج أوريل عبرها أنه ليس أديبًا مميزًا فقط، بل ومحللًا سياسيًا فذًا، وذلك عبر بنائه للحزب المستبد القائم على أنقاض الشيوعية والأحزاب في العصور السابقة. كانت نهاية الرواية صادمةً، فقد توقعت اتحاد ونستون وأوبراين وعملهما يدًا بيد في سبيل تحريض العامة واثارة نزعة الحرية بينهم، وتمكنهما بمساعدة " الأخوية " من القضاء على استبداد الحزب. إلا أن النهاية الحقيقة خالفت ذلك كله، بل واتخذت منحنًا مختلفًا تمامًا، فقد استسلم ونستون وانصاع للحزب مؤمنًا لا مكرهًا، وذلك عبر عدد من جلسات التعذيب الجسدي والنفسي، والتي نتج عنها إيمانه بأن الحزب كيان خالد وأن 2+2=5 لا أربعة وأن الأخ الأكبر لا يخطئ أبدًا، وأن كل ما رآه وسمعه كذبة عارية من الصحة.

يظهر عنوان الرواية - 1984 - أن جورج أوريل يتوقع حدوث تلك الحروب وظهور الحزب في زمن قريب غير بعيد خاصة أن تاريخ كتابة الرواية كان عام 1948. وحسب آراء الباحثين فإن ما ذكره جورج في كتابه قابل للتحقق، إن لم يكن واقعًا نعيشه اليوم دون أن نشعر. فما يسمى بالحرية والخصوصية أصبح عدمًا، وذلك بعد ظهور الإنترنت والهواتف الذكية. وأن الرأي العام، بل والتاريخ نفسه إن لم يكن الواقع أداةً في يد من يملك السلطة والإعلام.

كان للرواية تأثير كبير على عدد من الروايات الأخرى، منها: رواية " فهرنهايت 451 " لـ " راي برادبوري " و " الرجل الراكض " لـ " ستيفن كنج " و " البرتقالة الميكانيكية " لـ " أرثر بيرجس "، ومن جهة أخرى كان لرواية " نحن " للكاتب الروسي " يفنجي زامياتين " ورواية " عالم جديد شجاع " لـ " ألدوس هكسلي " تأثيرًا كبيرًا على جورج أوريل أثناء كتابته للرواية.

العنوان الأصلي لهذه الرواية كان " آخر رجل في أوروبا " إلا أن جورج وعبر خطاب أرسله إلى الناشر عبر عن حيرته بين ذلك الأخير وعنوان " 1984 "، فاقترح عليه الناشر عنوان 1984 لأنه سيحقق نجاحًا تجاريًا للرواية. لا يعرف سبب محدد لاختياره لذلك العنوان إلا أن السبب الأكثر ترجيحًا هو أنه قلب الرقمين الأخيرين من عام 1948 - وهو العام الذي انتهى فيه جورج من كتابة المخطوطة النهائية للرواية، والتي استمرت مسيرتها لثلاثة أعوام منذ 1945 إلى 1949 - . 

منعت الرواية من النشر منذ صدورها بحجة أنها تحث على التخريب أو تؤدي إلى الفساد الأيديولوجي مثلها في ذلك روايات مثل: " عالم جديد شجاع " لـ " ألدوس هكسلي ". والتي تشبه إلى حد كبير رواية 1984 لجورج أوريل، وقد عقدت عدت مقارنات بين الروايتين، و " فهرنهايت 451 " لـ " راي برادبوري ".
وقد ترجمت الرواية إلى خمس وستين لغةً، متجاوزةً بذلك أية رواية إنجليزية أخرى في ذلك الحين... نالت العديد من الجوائز، واختيرت كواحدة من أفضل 100 رواية كتبت بالإنجليزية بين عام 1923 وحتى 2005. وقد تم تحويل الرواية لفيلم سينمائي، وعرض الفيلم في توقيت مثير جدًا، فقد عرض في عام 1984، وهو فيلم خيال علمي ديستوبي من تأليف وإخراج مايكل رادفورد، مستوحى من الرواية. وحاز الفيلم على عدد من الجوائز منها أفضل فيلم بريطاني للسنة في ( Evening standard British film awards )، كما فاز بجائزة جولدن توليب في مهرجان اسطنبول السينمائي الدولي في عام 1985.

جدير بالذكر أن إعلان 1984، وهو إعلان تلفزيوني أمريكي قدم جهاز الحاسوب الشخصي ماكنتوش من شركة أبل للمرة الأولى، أستوحي من الرواية أيضًا. وفيه تمثل بطلة الإعلان قدوم ماكنتوش لإنقاذ البشرية من الأخ الأكبر، حيث يطاردها 4 حراس أمنيين ( يفترض أنهم من شرطة الفكر )، فتسرع - البطلة - ناحية شاشة كبيرة عليها وجه شبيه بالأخ الأكبر. فتهوي على الشاشة بمطرقتها في اللحظة التي يعلن فيها الأخ الأكبر: " نحن سننتصر! ". وفي خضم انفجار الشاشة وإصابة الناس بالصدمة، ينتهي الإعلان بنص يقول: " في 24 يناير ستقدم أبل الحاسوب ماكنتوش. وسترون لماذا لن تكون 1984 مثل 1984.

الشخصيات

1- وينستون سميث: بطل الرواية، ويرمز للإنسان العادي. أول ظهور: صفحة 13
2- جوليا: عشيقة وينستون الثائرة في السر، أما في العلن فهي تبشر بعقيدة الحزب وتشغل منصبًا في رابطة متطرفة للشباب المناهض للجنس. أول ظهور: صفحة 150
3- الأخ الكبير: حاكم أوشيانا داكن العينين كثيف الشارب، إنه تجسيد الحزب. أول ظهور: صفحة 13
4- أوبراين: عضو في الحزب الداخلي يتنكر في شخصية عضو من الأخوية (المقاومة الثورية) ليخدع وينستون وجوليا ويوقعهما في الفخ. أول ظهور: صفحة 24
5- إيمانويل غولدشتاين:  قائد الحزب السابق، وهو زعيم الأخوية ومؤلف كتاب الجماعية النخبوية بين النظرية والتطبيق. يرمز غولدشتاين إلى صورة عدو الدولة، أي الخصم الأيديولوجي الذي يجمع شعب أوشيانا والحزب على قلب رجل واحد، ولا سيما خلال فعاليات إثارة الخوف. ولكن وينستون يدرك فيما بعد أن الكتاب من تأليف لجنة الحزب الداخلي التي تضم أوبراين. ولا يستطيع بطل الرواية ولا القارئ في نهاية المطاف معرفة ما إذا كان غولدشتاين وأخويته حقيقيان أم من اختلاق ماكينة الحزب الدعائية. أول ظهور: صفحة 25
6- سايم: أحد العمال في قسم البحوث، وهو أحد أعضاء فريق الخبراء الذي يعمل في الوقت الراهن على جمع وتصنيف الطبعة الحادية عشرة من قاموس اللغة الحديثةأول ظهور: صفحة 69
7كاثرين: زوجة ونستون الرسمية. أول ظهور: صفحة 90
8- السيد شارنجتون: أرمل، عمره حوالي 63 عام، يقيم في محل ويكس، وهو المحل نفسه الذي قبض فيه على ونستون. أول ظهور: صفحة 129
9- مارتن: خادم أوبراين. أول ظهور: صفحة 222

المؤلف في سطور

إريك آرثر بلير ( جورج أوريل )
إريك آرثر بلير ( جورج أوريل )


الاسم الكامل: إريك آرثر بلير ( جورج أوريل )

المهنة: كاتب، ومراسل عسكري، وشاعر، وكاتب مقالات، وصحفي، وروائي، وناقد أدبي، وكاتب سير ذاتية، وبائع كتب، وكاتب سيناريو.
الجنسية: المملكة المتحدة

الميلاد: 25 يونيو 1903

الوفاة: 21 يناير 1950 (46 سنة)

سبب الوفاة: مرض السل

من مؤلفاته:   1- أيام بورما
                  
                  2- ابنة القسيس
                 
                  3- 
مزرعة الحيوان
                  
                  4- 1984

                  5- الخروج إلى المتنفس

                  6- متشردًا في باريس ولندن

لمزيد من المعلومات زر:  


لاقتناء الكتاب زر 

https://www.aseeralkotb.com/- دار عصير الكتب للنشر والتوزيع

دار عصير الكتب للنشر والتوزيع

والحمد لله.

***********************


***********************

إرسال تعليق

0 تعليقات