الأدب المترجم
كتاب صمت الفتيات
صمت الفتيات
صمت الفتيات - بات باركر |
العنوان: صمت الفتيات
الكاتب: بات باركر
سنة النشر: الطبعة الأولى -2020-
الدار الناشرة: عصير الكتب للنشر والتوزيع
عدد الصفحات: 363 صفحة
التقييم: 5/10
الكتاب في سطور
"محكَمة، بارعة الإتقان، تستحوذ على القارئ بكلّ تفاصيلها. واحدة من أعظم القصص الّتي كُتبت حتّى يومنا، كتابٌ سيُقرأ جيلًا بعد جيل"
- صحيفة ديلي تلغراف
حين تتعرّض الملكة الإغريقيّة هيلانة للخطف على يد الطّرواديّين، يُبحر الإغريق في طلبها، فيضربون الحصار حول مدينة طروادة. بريزيس، ملكة سبيّة أخرى محتجزة في معسكر الجند الإغريق، حُكِم عليها بالعبوديّة في سرير أخيل، الرّجل الّذي سفك دماء عائلتها، تُصبح بيدقًا في لعبة متوعِّدة بين محاربين نال السّأم والإحباط منهم. في القرون الّتي تعقب هذه الحرب الأكثر شهرة، سيشطبها التّاريخ، لتصير إلى هامشٍ مَتنُه قصّةٌ داميةٌ خطّها رجالٌ يعميهم الحقد – لكنّ بريزيس لديها حكاية مختلفة تمامًا ترويها...
"مذهلة، موغلة في العمق الإنسانيّ، تُلزِم القارئَ بنفسِها".
- صحيفة آيرِش تايمز
"إعادة سردٍ روائيٍّ لامع، مؤثّر، هامّ، قويّ، يُحفر في الذّاكرة"
- صحيفة الغارديان
"تصوير جيّد جدًّا للحرب الطّرواديّة من منظور النّساء"
- كيت أتكينسون
"ستأخذكم بفتنتها، لا تفوّتوها لأيّ سبب"
- مجلّة ليتراري ريڤيو
"الهوميريّة في أوج تألقها، رواية آسرة تحرّك المشاعر"
- مجلّة ذي إيكونوميست
مراجعتي للكتاب
حرب طروادة أو حصار طروادة، حرب قامت بين الإغريق وشعب طروادة ( الطرواديين ) ودامت عشر سنين، واحدة من أشهر الحروب في التاريخ وذلك لخلودها في ملحمتي هوميروس الإلياذة والأوديسة - أهم ملحمة شعرية إغريقية للشاعر الأعمى هوميروس، وهي عبارة عن نص شعري. وقد جمعت أشعارها عام 700 ق.م، أي بعد مئة عام من وفاته - اللتان تحدثتا عن بعض أحداث حرب طروادة، ففي الإلياذة رويت أحداث السنة التاسعة من الحرب وهي سنة غضب أخيل، وفي الأوديسة حُكيت الكثير من الأحداث السابقة للحرب إبان رواية حكاية عودة أوديسيوس ملك إيثاكا وأحد القادة في حرب طروادة.
تُعيد الأساطير أسباب حرب طروادة إلى مشاحنة إلهية بين آلهة الأوليمب الاثني عشر، وخلاف بين الربات الثلاث هيرا وأفروديت - ربة الحب والجمال - وآثينا - إلهة الحكمة والقوة والحرب وحامية المدينة - حول الأجمل منهن، وقيام باريس بخطف هيلين الطروادية ملكة أسبرطة، وزوجة منيلاوس شقيق أجاممنون ابن أتريوس.
ولعل أشهر ما نقل لنا عبر الأساطير الكثيرة المتعلقة بالحرب هو حصان طروادة. فبعد أن طال الحصار، ابتدع الإغريق حيلةً ذكيةً ليتمكنوا من اختراق أسوار القلعة المنيعة، هشة الداخل. لذلك قاموا بإهداء الطرواديين حصانًا خشبيًا ضخمًا وأجوفًا من الداخل، ومليء بالمحاربين الإغريق بقيادة أوديسيوس، محاربون ينتظرون إشارة من الشمس وهي تغرب ورائحة السكر كي يشقوا بطن الحصان، وكي ينهوا حرب استنزاف طويلة جدًا. أوهم الطرواديون بانسحاب الإغريق بعد أن يئسوا - على حد ظنهم - من فكرة اختراق ذلك السد المنيع، وأن انتصارهم ذاك كلل بهدية إلهية تعني السلام وانقضاء زمن الحرب والحصار. لكن الهدية تلك صيرت دليلًا حفر في التاريخ على نصر الإغريق وقدرتهم على إبادة نسل الطرواديين كاملًا...
سأكتفي بما ذكرت باقتضاب شديد حول حرب طروادة أو حصار طروادة، ولمن أراد أن يستزيد وأن يغطس عميقًا، سابرًا أغوار الحرب وأحداثها، ومتأملًا في عبرها. فهناك العديد من الكتب التي ذكرتها واسترسلت في ذكر أحداثها، وأضعاف ذلك من الأفلام التي وثقت ويلات الحرب وطول سنين الحصار...لكنني حرصت على ذكر تلك المقدمة كي أنتشلك من قعر الجهل ببعض أحداث الرواية وكي أملأ عنك بعض فراغات الأحجية. فقراءة الرواية دون امتلاك خلفية مسبقة عن الحرب والأسطورة الإغريقية، يماثل مشاهدة آخر دقائق أحد الأفلام، أو الاكتفاء بمشاهدة الحلقة الأخيرة من مسلسل تلفزيوني معين دون الحلقات التي تسبقها. ما أقصده وأبتغيه هو أن الرواية جميلة وممتعة، مترابطة السرد وقوية الأسلوب. ولعل أكثر ما يميزها هو كون الراوي امرأة طروادية - وقد يبدوا ذلك بديهيًا فبعد ذبح جميع الرجال والصبيان، لم يبق من نسلهم أحد غير النساء -. وقد خصصت بات باركر روايتها لوصف مشاعر ومعاناة أمة وسبية كانت مكافأةً لأخيل على إنجازاته العظيمة، من نحر للأعناق، وفج للرؤوس، وإراقة للدماء، إضافةً إلى نشر الخراب والفرقة بين صفوف الطرواديين...ومع ذلك فإن الرواية مجتزئة، كأنها القطعة الأخيرة من الأحجية والأسطورة الإغريقية، لذلك وجب علي أن أذكر تلك المقدمة لعلها تشبع نهمك لمعرفة الحكاية ولعلها تجيب على أسئلة طرحتها أو ستطرحها لاحقًا...
أخيل العظيم، أخيل المتقد، أخيل اللامع، أخيل الإلهي.عجبًا كيف تتراكم الألقاب؟! لم ننعته يومًا بأي من هذه الأسماء، كنا نسميه " الجزار ".
{ صمت الفتيات، 11 }
أحرق، قتل، هدم، مزق، أفزع، كل تلك الكلمات خلقت من أجل رجل واحد، من أجل أخيل ابن الملوك والآلهة. سطى أخيل على مئات الحصون، حصون حوت آلاف البشر وملايين الآمال والأحلام. لكنه سطى عليها كلها، قتل الحلم والحالم وسبى المرأة وابنتها، وغز سيفه ورمحه عميقًا في بطن المرأة قاتلًا حياةً وذكرًا مرتقبًا، حتى لو كان الجنين والمولود أنثى. فالوقاية خير من ألف علاج.
كان أول لقاء لبريزيس وأخيل هو مدخل الرواية ومبدأ الحكاية، لقاء غريب عجيب. فبريزيس بين الخوف والترقب أعلى برج جمعت فيه النساء لحمايتهن من الإغريق الهمجيين والمتوحشين. وأخيل يلقي نظرات عشوائية نحو البرج الذي يحوي مكافأته ودليل إنجازه، يلوح بسيفه يمنة ويسرة قاطعًا الرؤوس وشاقًا الأعناق، ويغز رمحه عميقًا، ثم يخرجه وقد اكتسى بلون أحمر كثيف.
رأيت أصغر إخوتي - في الرابعة عشر وبالكاد يستطيع رفع سيف أبي - وهو يموت، رأيت وميض الرمح المرفوع، رأيت أخي وقد طرح أرضًا كخنزير محشور، وفي تلك اللحظة - وكأن أمامه كل الوقت في العالم - أدار أخيل رأسه وألقى نظرة على البرج إلى الأعلى، كان ينظر نحوي مباشرةً أو ذلك ما بدا لي، أظنني تراجعت خطوة إلى الخلف، لكن الشمس كانت تسطع في عينيه، لا يمكن أن يكون قد رآني، ثم - بإحكام رابط الجأش أتمنى لو أنساه لكنني لا أستطيع - وضع قدمه على عنق أخي ونزع رمحه منها، تطاير الدم من الجرح، ونازع أخي طيلة دقيقة كاملة من أجل أنفاسه، ثم خمد ساكنًا، وشاهدت سيف أبي يسقط من قبضته المرتخية.
{ صمت الفتيات، 23 }
قتل والدها، إخوتها وزوجها، واتخذها أمةً عنده. سيقت كما سيقت النساء الأخريات الذين اجتمعن في البرج أو من بقي منهن داخله، بعد أن انتحر بعضهن وقتل البعض الآخر لأن في بطنهن حياةً طروادية. كانت أيامها الأولى قاسيةً ومؤلمةً، فها هي تدور حول الموائد لتخدم من قتل أهلها، تصب لهم الخمر والنبيذ والابتسامة تعلوا وجهها. تمشي بين القاذورات والرجال والنساء دون خمار، لقبها أمة وضيعة لأخيل بعد أن كانت زوجة الملك والحاكم.
كان البحر مهربها وملوحة مائه ما يعيد لها الشعور بوجودها في هذه الدنيا الزائفة، إضافةً إلى علاقاتها العابرة وربما الدائمة مع غيرها من الإماء داخل المعسكر، أحاديث وضحكات تخفي خلفها أحزانًا كثيرًا.
وكنت قد وجدت لنفسي مكانًا قرب الجدار حيث تسمح فجوة بين لوحين لنسمة قادمة من البحر بالنفاذ، في بعض الليالي، كنت أرقد مطبقةً فمي على ذلك الصدع الضيق أرضع الهواء المالح البارد.
{ صمت الفتيات، 138 }
مرت الأيام دون أي تغيير أو تبدل، فعلمت أن وقت الراحة انتهى وأن الشر القادم. كانت تناجي أبولو - حسب ما كان يعتقده الإغريق هو إله الشمس، إله الموسيقى، إله الرماية (وليس إله الحرب)، إله الشعر، إله الرسم، إله النبوءة، إله الوباء والشفاء، إله العناية بالحيوان، إله التألق، إله الحراثة. يملك جمال ورجولة خالدة. ويتم نقل نبوءاته والإجابة عن الأسئلة بواسطة الكاهنة بيثيا - كما ناجاه الكاهن طلبًا للانتقام ممن خطف ابنته وأجاب فديته وقربانه بالرفض. وشيئًا فشيئًا بدأت الأمراض المختلفة والطاعون يطيحان برجال أشداء، رجال إذا ذكر اسمهم ولدت المرأة من الخوف، واهتزت الجيوش رعبًا منه. مما استوجب قربانًا كبيرًا وتنازلات كثيرة من أجل الإله الذي غضب لغضب كاهنه واستجاب لمناجاة الفتاة - كما ظنوا هم -. أعاد أجاممنون زوجته لأبيها دون أن ينال مقابلًا لذلك، بل وقدم قربانًا كبيرًا لإرضاء أبولو. لم تنقض الغيمة السوداء والمشاكل التي حلت على معسكر الإغريق بعد، فكيف لأجاممنون أن يتنازل دون أن يحوز مقابلًا، دون أن يخرس أفواه وأعين الجند بفعل عظيم أو بنيل شيء ثمين. فكان الخصام بين أجاممنون وأخيل بعد أن أقدم أجاممنون على سرقة جائزة أخيل رغمًا عنه.
انسحب أخيل من القتال ونأى بنفسه بعيدًا عن المعسكر، ونال ساعات طوال من مناجات أمه قرب شاطئ البحر، رفقة صديقه ورفيق دربه " فطرقل ". لم تكن بريزيس ذات أهمية لأي منهما، لم يكن الخلاف حولها هي، بل كان حول ما ترمز له. فلما كانت تدور كحورية جميلة جدًا بين ضيوف أخيل تصب الخمر وتضحك، كانت ترمز إلى " هذه هي دليل قدرتي وقوتي، جائزة الشرف التي قدمها لي الجيش ". ولما سرقها أجاممنون من أخيل، لم تتعد مهمتها صب الخمر والتبسم أمام ضيوفه ورجاله، لكنها كانت ترمز إلى " شاهدوا، تلك هي أمة أخيل، جائزة شرفه، ها هي تدور بينكم وتنام بين جواري وإمائي ".
هزم الإغريق دون أخيل، وتقدم الطرواديون حتى أصبحوا قاب قوسين أو أدنى من المعسكر، حتى أن أنفاسهم وهمساتهم تسمع داخل معسكر الإغريق لشدة قربهم. حُمِّلت بريزيس كل اللوم، لوم الهزيمة والفرقة، لوم انتشار المرض. ولوم ولادتها وسبيها!!
تحولت نظرات الجند لها من نظرات فُتن تعقب لحظات سكرهم، إلى بغض وامتعاض وكره شديد جدًا...لأن أخيل تخلى عن القتال...عن جنده...وعن درعه. من أجل امرأة، بل أمة واحدة!!
ازداد البأس وكثرت المعارك الخاسرة، فسدت جراح المرضى ومات الكثير في معارك خاسرة. يجرحون وأخيل عند البحر يناجي أمه، يقتلون وأخيل يعزف مقطوعته الحزينة غير الكاملة رفقة فطرقل. زادت الاحتجاجات والمطالبات بعودة أخيل وجنده، بل أصبحت الأصوات المعارضة للخلاف والمطالبة بعودة ذاك المحارب تعلو على صوت أجاممنون في مجلسه وبين جنده وحرسه.
خرجت القوافل محملةً بالوعود والاعتذارات غير رسمية، إضافةً إلى بريزيس - السبب الرئيسي في الخلاف -، لترجو أخيل لعله يعود إلى عقله ويرجع إلى الحرب التي اقسم بروحه ودمه أن يخوضها إلى أن تسقط طروادة أو يموت دون ذلك. لكنه أبى الخنوع والرجوع دون أن تزخرف عودته بخنوع واعتذار وانحناء أجاممنون عند قدميه، طالبًا العفو والنجدة منه.
بقي الحال هكذا إلى أن قبل فرطقل أن يقود جيش أخيل بدرعه نحو ساحات المعركة لرد الطرواديين ودرء الخطر عن سفن الإغريق وأرواحهم. تمكن فرطقل من صون أرواح الإغريق وإعادة مجد كان على شفا حفرة من أن ينجلي ويختفي. إلا أن الموت تمكن من أن يخطف روحه بين أتربة وسيوف الأعداء والأصدقاء المتشابكة كالأحبة. ثار دم أخيل، وامتلأ وجهه بالغضب، حتى أن غضبه انعكس على السماء فامتلأت بالغيوم واسودت سوادًا عظيمًا أنذر بغضب من أمه الإلهة - على حد قولهم -.
أهدته أمه درعًا أسطوريًا لا مثيل له، درعًا قويًا متينًا ثقيلًا، لا يقدر على حمله أحد غير أخيل. أخيل الذي صنع لأجله هذا الدرع كي يخرج مندفعًا نحو طروادة وأسوارها، يهدمها على رأس أهلها انتقامًا لرفيق دربه، وللشخص الذي أنقذه من الموت حزنًا على أمه التي عادت إلى البحر هربًا من عالم البشر الدنيء المليء بالخطايا. قتل هيكتور وسار بعربته يدور مرات ومرات كثيرة حول أسوار طروادة يجر خلفه جسد هيكتور آخر حماة طروادة، وآخر بصيص أمل لهم.
قتل هكتور، وأطاح طروادة، وحاز اعتذار أجاممنون وقبول الجيش واعتراف الإغريقيين كلهم. لكن قلبه ذابل، مسود، لا يرى أي نور أو أمل في الحياة بعد وفاة رفيقه. ما عاد يقوى على الشرب والأكل...بل ما عاد قادرًا على التنفس.
لا يستطيع النوم، لا يستطيع الأكل، لا يستطيع العزف على القيثارة.
{ صمت الفتيات، 273 }
قتل أخيل، بسهم رماه باريس، أصاب به جزءً صغيرًا من جسده، لم تباركه أمه حينما غطست جسده في بركة من عالم الآلهة، وعاد الجيش الإغريقي محملًا بالغنائم والسبايا إلى وطنه وترانيم وأناشيد النصر على عدو ذو قلاع وحصون متينة. سيقت بريزيس مع غيرها من النساء إلى وطن من قتل أباها وزوجها وابنها، سيقت كسبية وأمة بعد أن كانت ملكةً وزوجةً ذات شأن عظيم وتغيير كثير وكبير.
تلك حكاية أخيل...
قصته، قصته هو لا أنا، إنها تنتهي بأساه
{ صمت الفتيات، 361 }
سرد ممتع وجاذب جدًا، مشاعر كثيرة تفيض بشدة دون أن تنضب أبدًا. لا تغفل الكاتبة فيها شيئًا، إلا إغفالها لذكر أسباب الحرب ونبذة قصيرة حولها. لكنها تبقى تحريفًا جميلًا ومفيدًا للأسطورة الحقيقية، فقد تمكنت الكاتبة من أسر أرواحنا رفقة سبايا الحرب...تمكنت من نقل أمانيهم وأحلامهم في نهاية حكاية مؤلمة بكل ما فيها، ورجائهم ببداية أخرى.
المؤلف في سطور
بات باركر |
الاسم الكامل: باتريشيا ماري دبليو
المهنة: كاتِبة، وروائية، وكاتبة سيناريو، ومؤرخة
الجنسية: المملكة المتحدة
الميلاد: 8 مايو 1943 (العمر 77 سنة)
من مؤلفاته: 1- شارع الاتحاد (1982)
2- اهدم منزلك (1984)
3- ابنة القرن (التي تُعرف أيضًا باسم إنجلترا ليزا؛ 1986)
4- الرجل الذي لم يكن هناك (1988)
***********************
***********************
إرسال تعليق
0 تعليقات